الأحد، 27 مايو 2012

القناعة كنز لايفنى

القناعة كنز لايفنى
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وآله وصحبه وسلم أمابعد :

فهذا جمع لبعض ما قيل في القناعة

تعريف القناعة : القناعة الرضا بالقسْم يقال قنع الرجل قناعة اذا رضي ،وفي القاموس المحيط :
القنوع بالضم السؤال والتذلل والرضى بالقسم ضد والفعل كمنع ومن دعائهم نسأل الله القناعة ونعوذ بالله من القنوع وفي المثل خير الغنى القنوع وشر الفقر الخضوع ورجل قانع وقنيع والقناعة الرضى
وقال في لسان العرب :
وقد قنع بالكسر يقنع قناعة فهو قنع و قنوع قال ابن بري يقال قنع فهو قانع و قنع و قنيع و قنوع أي رضي قال ويقال من القناعة أيضا تقنع الرجل قال هدبة إذا القوم هشوا للفعال تقنعا وقال بعض أهل العلم إن القنوع يكون بمعنى الرضا و القانع بمعنى الراضي قال وهو من الأضداد قال ابن بري بعض أهل العلم هنا هو أبو الفتح عثمان بن جني وفي الحديث فأكل وأطعم القانع والمعتر هو من القنوع الرضا باليسير من العطاء وقد قنع بالكسر يقنع قنوعا و قناعة إذا رضي و قنع بالفتح يقنع قنوعا إذا سأل .



باب فضل القناعة والحث عليها
قوله صلى الله عليه وسلم ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس
و"العرض هنا بفتح العين والراء جميعا وهو متاع الدنيا ومعنى الحديث الغنى المحمود غنى النفس وشبعها وقلة حرصها لا كثرة المال مع الحرص على الزيادة لأن من كان طالبا للزيادة لم يستغن بما معه فليس له غنى
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه"
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا
وعن علي ابن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه فسر قوله تعالى (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) بالقناعة.

**************




القناعة مال لا ينفد
عن أنس قال قال رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم القناعة مال لا ينفد
ففي القناعة العز والغنى والحرية وفي فقدها الذل والتعبد للغير تعس عبد الدنيا تعس عبد الدينار فيتعين على كل عاقل أن يعلم أن الرزق بالقسم والحظ لا بالعلم والعقل ولا فائدة للجد حكمة بالغة دل بها على قدرته وإجراء الأمور على مشيئته قال الحكماء ولو جرت الأقسام على قدر العقول لم تعش البهائم .
ونظمه أبو تمام:
فقال ينال الفتى من عيشه وهو جاهل
ويكدى الفتى في دهره وهو عالم
ولو كانت الأقسام تجري على الحجا
هلكن إذن من جهلهن البهائم
وقال ابن القيم ترك ما يخاف ضرره في الآخرة والزهد ترك ما لا ينفع فيها وارض اقنع بما قسمه الله قدره لك قال الله تعالى نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا " الزخرف: 32 " تكن من أغنى الناس فإن من قنع بما قسمه الله له صار غني القلب زاهدا فيما في يد غيره والقناعة كنز لا يفنى قال ابن أكثم بن صيفي من باع الحرص بالقناعة ظفر بالغنى والثروة ولو صدق الحريص نفسه واستنصح عقله علم أن من تمام السعادة وحسن التوفيق الرضا بالقضاء والقناعة بالقسم

قال الحكماء من قنع كان غنيا وإن كان فقيرا ومن تجاوز منزلة القناعة فهو فقير وإن كان غنيا وقال بعضهم الرضا بالكفاف يؤدي إلى العفاف ومن رضي بالمقدور قنع بالميسور وقالوا ما كان لك من الدنيا أتاك على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك ومن قطع رجاءه مما فات استراح بدنه والراحة كلها في الرضا بالمقسوم والاقتصار على حال الوقت والاعراض عما كان ويكون لأن ذلك كدر في الوقت وشغل بما لا يعني ولا يغني والهم كله في الأسف على الأمور الماضية والاهتمام بالأمور الآتية من الدنيا وعماد ذلك أن العبد يقبل ما أعطاه سيده في الوقت ولا يهتم بما بعد الوقت لا من أين ولا كيف ولا ماذا يعطيه لأنه ليس مما يعنيه
فالقناعة مال لا ينفد لأن القناعة تنشأ من غنى القلب بقوة الإيمان ومزيد الإيقان ومن قنع أمد بالبركة ظاهرا وباطنا لأن الإنفاق منها لا ينقطع إذ صاحبها كلما تعذر عليه شيء قنع بما دونه ورضي فلا يزال غنيا عن الناس ولهذا كان ما يقنع به خير الرزق كما في الخبر السابق ومن قنع بما قسم له كانت ثقته بالله التي شأنها أن لا تنقطع لتأكد الوثاقة كنز له لا ينفد إمداده ولهذا قال لقمان لابنه يا بني الدنيا بحر عميق غرق فيه ناس كثير فاجعل سفينتك فيها القناعة

فصل في بعض ماقيل في القناعة شعرا :
وقال لبيد :
فمنهم سعيد آخذ بنصيبه
ومنهم شقي بالمعيشة قانع
قال ابو ذؤيب الهذلي :
والنفس راغبة اذا رغبتها
واذا ترد الى قليل تقنع
*****************
وقال آخر :
وللرزق اسباب تروح وتغدي
وأني منها بين غاد ورائح
قنعت بثوب العدم من حلة الغنا
ومن بارد عذب زلال بمالح
وقال آخر :
كن بما اوتـيته مقـتنعا
تقتني عيش القنوع المكتفي
كسـراج دهنه قـوت له
فإذا غـرقته فـيه طــفي


وقال آخر :
اصبر علي كسـرة وملح
فالصبر مفـتاح كـل دين
ولا تـعرض لـمدح قـوم
يـدع الـى ذلـة وشـين
واقنـع فإن القتنوع عـز
والذل في شهوة بـدين
وقال آخر :
رضيت من الدنيا بقوت يقيمني
فلا ابتغي من بعده ابدا فضلا
ولست اروم القوت إلا لأنه
يعين على علم ارد به جـهلا
فما هذه الدنيا بطـيب نعـيمها
لايسر ما في العلم من نكتة عدلا

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

 **********************************************************
أين أنت من القناعة؟



إن مما يُسخط الناس على أنفسهم وعلى حياتهم، ويحرمهم لذة السعادة، أنهم قليلو الإحساس بما أسبغ الله تعالى عليهم من نعم غامرة، فتراهم ساخطين على ما في أيديهم، متغافلين عما وهبهم الله من نِعَم لا تُعد ولا تُحصَى، يهتفون دائما ينقصنا كذا وكذا، متطلعين إلى ما في أيدي الآخرين، يبكون حظهم وينعون أنفسهم وينوحون على دنياهم.
لكن المؤمن عميق الإحساس بما من الله عليه من نِعم، فهو يرى نِعم الله عليه في عافيته، يراها في ولده، يراها في مطعمه ومشربه، يراها في مسكنه، يراها في هدوء نفسه وسكينتها، يراها في هداية الله له للإسلام، يراها في كل شيء حوله، وهذا الإحساس بالنعم يمنحه شعورا بالرضا بما قسم الله له من رزق، وما قدر له من مواهب، وما وهب له من حظ، وهذا هو لب القناعة.
سعادة نفس وهدوء بال
ففي قناعة المرء بما وهبه الله تعالى سعادة النفس وهدوء البال والشعور بالأمن والسكينة، وبها يتحرر من عبودية المادة واسترقاق الحرص والطمع وعنائهما المرهق، فالقانع أسعد حياة وأرخى بالا وأكثر دعة واستقرارا من الحريص المتفاني في سبيل أطماعه وحرصه، وهو لا ينفك عن القلق والمتاعب والهموم، وفي هذا يقول الإمام ابن الجوزي: من قنع طاب عيشه، ومن طمع طال طيشه.
فمن قنع بما أعطاه الله رضي بما قُسِم له، وإذا رضي شكر، ومن تقاله قـصر فـي الشكر، وربما جزع وتسخط، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كن ورعا تكن أعبد الناس، وكن قنعا تكن أشكر الناس" رواه البيهقي وحسنه الألباني.
وقاية من أمراض القلوب
وفي القناعة وقاية من كثير من أمراض القلوب التي تفتك بالقلب وتذهب بالحسنات كالحسد والغيبة والنميمة والكذب وغيرها من الخصال الذميمة؛ ذلك أن الحامل على الوقوع في كثير من تلك الأمراض غالبا ما يكون استجلاب دنيا أو دفع نقصها، فمن قنع برزقه لا يحتاج إلى ذلك الإثم، ولا يداخل قلبه حسد لإخوانه على ما أوتوا؛ لأنه رضي بما قسم له، وقد قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: اليقين ألا ترضي الناس بسخط الله، ولا تحسد أحدا على رزق الله، ولا تَلُمْ أحدا على ما لم يؤتك الله، فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهة كاره، فإن الله تبارك وتعالى بقسطه وعلمه وحكمته جعل الروْح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط.
وقال بعض الحكماء: وجدت أطول الناس غما الحسود، وأهنأهم عيشا القنوع.
الغنى الحقيقي
فكم من غني طامع عنده من المال ما يكفيه وولده ولو عُمر ألف سنة، ولكن حرصه يدفعه للمخاطرة بدينه ووقته وجهده طلبا للمزيد، وكم من فقير قنوع يرى أنه أغنى الناس، وهو لا يجد قوت يومه؛ ذلك أن الغنى الحقيقي غنى النفس ورضاها بما قسمه الله لها من عطاء، وهذا مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العَرَض ولكن الغنى غنى النفس" رواه البخاري، وعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "أترى يا أبا ذر أن كثرة المال هي الغنى‌؟‌ إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب، من كان الغنى في قلبه فلا يضره ما لقي من الدنيا، ومن كان الفقر في قلبه فلا يغنيه ما أكثر له في الدنيا". رواه ابن حبان وصححه الألباني.
وقيل لبعض الحكماء: ما الغنى؟ قال: قلة تمنيك، ورضاك بما يكفيك.
ويقول الشاعر:
ما ذاق طعم الغنى من لا قنوع له    ولن ترى قانعا ما عاش مفتقرا 
عزة وكرامة
فالعز كل العز في القناعة، والذل والهوان في الحرص والطمع؛ ذلك أن القانع لا يحتاج إلى الناس فلا يزال عزيزا بينهم، والحريص قد يذل نفسه من أجل أن يحصل المزيد؛ ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس". رواه البيهقي وحسنه الألباني.
وقد كان محمد بن واسع رحمه الله تعالى يبل الخبز اليابس بالماء ويأكله ويقول: من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد.
ويقول الشاعر:
أفادتني القناعة كل عــز         وأي غنى أعز من القناعة 
فصيرها لنفسك رأس مال         وصيرها مع التقوى بضاعة 
واجبة لأصحاب الدعوات
وإن كان كل مسلم مطالب بقناعة العيش، فإنها في حق الدعاة أوجب وألزم؛ ذلك لأن القناعة مصدر قوة لأصحاب المبادئ وحملة الرسالات الذين قد يتعرضون للاضطهاد والمصادرة والحرمان، فترى أحدهم يواصل مسيرته في تبليغ رسالته وهو صلب العود متين البنيان ثابت القدم، قد جعل شعاره ما قاله الشافعي رضي الله عنه: 
وإذا مت لست أعدم قبرا
أنا إن عشت لست أُعدم قوتا
نفس حر ترى المذلة كفرا
همتي همة الملوك ونفسـي
فلماذا أخاف زيدا وعمروا
وإذا ما قنعت بالقوت عمري

كما أن القناعة تضع حائلا بين صاحب الرسالة وبين الانغماس في مطامع الدنيا والانشغال بتحصيل المزيد منها، فينطلق متخففا من قيودها ليحيي الإسلام في قلوب من حوله.
اختبر نفسك
تلك هي القناعة، وتلك ثمارها التي يجنيها أصحابها، فأين نحن من هذه القناعة، وما نصيبنا منها؟ هذا ما سيساعدنا على معرفته الاستبيان التالي.
كن صادقا مع نفسك أثناء إجابتك، فليس أحد يطلع عليك إلا الله عز وجل، اختر الخانة التي توافقك في العبارات التالية:
لا
أحيانا
دائما
العبــــارات



1- لا يغيب عن قلبي أن ما أصابني لم يكن ليخطئني وما أخطأني لم يكن ليصيبني.



2- ألتزم القصد والاعتدال في إنفاقي.



3- كلما رزقت بمال تمنيت لو كان أكثر.



4- أوقن أن كل إنسانٍ لن يجمع من المال إلا ما قُدر له.



5- ينتابني إحساس بالضيق إذا ما رأيت من حولي في سعةٍ من الرزق.



6- أستشعر نعم الله الكثيرة علي في كل حركة أو سكنة.



7- أتمنى امتلاك كل شيء جميل تراه عيني.



8- أشعر بقلقٍ واضطرابٍ نحو وضعي المالي في المستقبل.



9- أحرص على أن تكون طموحاتي في حدود قدراتي.



10- أوقن أن الاختلاف والتفاوت في الرزق اختبار من الله وابتلاء.



11- ألوم نفسي وأسارع بمراجعتها إذا تطلعت إلى ما في يد الآخرين.



12- أنظر لمن هو دوني في أمور الدنيا وأحمد الله.



13- عقيدتي أن الغنى غنى النفس وليس غنى المال والمتاع.



14- لا أتكاسل عن السعي للرزق بدعوى القناعة.

أعط نفسك درجات عن كل إجابة حسب الجدول الآتي:
14
13
12
11
10
9
8
7
6
5
4
3
2
1
السؤال
2
2
2
2
2
2
0
0
2
0
2
0
2
2
دائما
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
أحيانا
0
0
0
0
0
0
2
2
0
2
0
2
0
0
لا

إذا كان مجموع درجاتك أكثر من 24:
نسأل الله عز وجل أن يديم عليك نعمة القناعة، ونزف إليك بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلح من هُدِي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به".
إذا كان مجموع درجاتك من 18 إلى 24:
اجتهد في تخليص قلبك مما شابه من عدم الرضا والقناعة، وضع أمام عينيك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس".
إذا كان مجموع درجاتك أقل من 18:
تذكر قول النبي صلي الله عليه وسلم: "يا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب".
اقرأ أيضًا:
القناعة القناعة القناعة
`•.¸
¸.•
يزداد إحساسنا بعدم الرضى بما رُزقنا إذا قلّت فينا القناعة....
ومن كان كذلك فلن يشعر بالسعادة أبداً لأن سعادته لن تتحقق بما انه غير راضي بما لديه....
فالقناعه هي الرضى...
أي أن يقتنع الانسان بالبُلغة من دنياه ويصرف نفسه عن التعرض لما سواه؛ وهذا أعلى مـنـازل أهـل الـقـنـاعة....
و أن تـنـتـهي به القناعة إلى الكفاية، ويحذف الفضول والزيادة، وهذا أوسط حال المقتنع من رضي بالمقدور قنع بالميسور....
وليس القانع ذاك الذي يشكو خـالـقـه ورازقه إلى الخلق، ولا الذي يتطلع إلى ما ليس له، ولا الذي يغضب إذا لـم يـبلـغ مــا تمنى من رتب الدنيا؛ لأن الخير له قد يكون عكس ما تمنى...

وفـي الـمـقـابــل فإن القناعة لا تأبى أن يملك العبد مثاقيل الذهب والفضة، ولا أن يمتلئ صندوقه بالمال، ولا أن تمـسك يداه الملايين، ولكن القناعة تأبى أن تلج هذه الأموال قلبه، وتملك عليه نفسه، حتى يمـنـع حق الله فيها، ويتكاسل عن الطاعات، ويفرط في الفرائض من أجلها، ويرتكب المحرمات من رباً ورشوة وكسب خبيث حفاظاً عليها أو تنمية لها....

وكم من صاحب مال وفير وخـير عظيم رزق القناعة! فلا غَشَّ في تجارته، ولا منع أُجراءه حقوقهم، ولا أذل نفسه من أجـل مــال أو جاه، ولا منع زكاة ماله؛ بل أدى حق الله فيه فرضاً وندباً، مع محافظةٍ على الـفـرائـض، واجتنابٍ للمحرمات. إن ربح شكر، وإن خسر رضي؛ فهذا قنوع وإن ملك مال قارون....
قال النبي صلى الله عليه وسلم ...
"كن ورعاً تكن أعبد الناس، وكن قنعاً تكن أشكر الناس

( `•.¸
`•.¸ )
¸.•
(`'•.¸(` '•. ¸ ’ ¸.•'´)¸.•'´)
«´¨`.¸.’ القناعة نور من الايمان ’. ¸.´¨`»
«´¨`.¸.’ ’. ¸.´¨`»
(¸. •'´(¸.•'´ ’ `'•.¸)`'•.¸ )
.•´ `•.¸
`•.¸ )


********************************************************************************

القناعة
وهي: من الاكتفاء من المال بقدر الحاجة والكفاف، وعدم والاهتمام فيما زاد عن ذلك.
وهي: صفة كريمة، تعرب عن عزة النفس، وشرف الوجدان وكرم الأخلاق.
وإليك بعض ما أثر عن فضائلها من النصوص:
قال الباقر(عليه السلام):(من قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الأغنياء) (الوافي ج3 ص79 عن الكافي).
إنما صار القانع من أغنى الناس، لأن حقيقة الغنى هي: عدم الحاجة إلى الناس، والقانع راض ومكتف بما رزقه الله، لا يحتاج ولا يسأل سوى الله.
قيل: لما مات جالينوس وُجد في جيبه رقعة مكتوب فيها:(ما أكلته مقتصدا فلجسمك، وما تصدقت به فلروحك، وما خلفته فلغيرك، والمحسن حي وإن نقل إلى دار البلى، والمسيء ميت وإن بقي في دار الدنيا، والقناعة تستر الخلة، والتدبير يكثر القليل، وليس لابن آدم أنفع من التوكل على الله سبحانه)(كشكول البهائي، طبع إيران ص371).
وشكى رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام أنه يطلب فيصيب فلا يقنع، وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه، وقال: علمني شيئا أنتفع به. فقال أبو عبد الله(عليه السلام):(إن كان ما يكفيك يغنيك، فأدنى ما فيها يغنيك، وإن كان ما يكفيك لا يغنيك، فكل ما فيها لا يغنيك)(3 الوافي ج3 ص79 عن الكافي).
وقال الباقر(عليه السلام): (إياك أن يطمح بصرك إلى من هو فوقك فكفى بما قال الله تعالى لنبيه(صلى الله عليه وآله)((ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم))وقال: ((ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا))، فإن دخلك من ذلك شيء، فاذكر عيش رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فإنما كان قوته الشعير، وحلواه التمر، ووقوده السعف إذا وجده) (الوافي الجزء 3 ص78 عن الكافي).
للقناعة أهمية كبرى، وأثر بالغ في حياة الإنسان، وتحقيق رخائه النفسي والجسمي، فهي تحرره من عبودية المادة، واسترقاق الحرص والطمع، وعنائهما المرهق، وهوانهما المذل، وتنفخ فيه روح العزة، والكرامة، والإباء، والعفة، والترفع عن الدنايا، واستدرار عطف اللئام.
والقانع بالكفاف أسعد حياة، وأرخى بالا، وأكثر دعة واستقرارا، من الحريص المتفاني في سبيل أطماعه وحرصه، والذي لا ينفك عن القلق والمتاعب والهموم.
والقناعة بعد هذا تمد صاحبها بيقظة روحية، وبصيرة نافذة، وتحفزه على التأهب للآخرة، بالأعمال الصالحة، وتوفير بواعث السعادة فيها.
ومن طريف ما أثر عن القناعة:
أن الخليل بن أحمد الفراهيدي كان يقاسي الضر بين أخصاص البصرة، وأصحابه يقتسمون الرغائب بعلمه في النواحي.
ذكروا أن سليمان بن علي العباسي، وجه إليه من الأهواز لتأديب ولده، فأخرج الخليل إلى رسول سليمان خبزا يابسا، وقال: كل فما عندي غيره، وما دمت أجده فلا حاجة لي إلى سليمان. فقال الرسول: فما أبلغه. فقال:
أبلغ سليمان أني عنه في سعة وفي غنى غير أني لست ذا مال
والفقر في النفس لا في المال فاعرفه ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال
فالرزق عن قدر لا العجز ينقصه ولا يزيدك فيه حول محتال (سفينة البحار ج1 ص426 بتصرف).
وفي كشكول البهائي (أنه ارسل عثمان بن عفان مع عبد له كيسا من الدراهم إلى أبي ذر وقال له: إن قبل هذا فأنت حر، فأتى الغلام بالكيس إلى أبي ذر، وألح في قبوله، فلم يقبل، فقال له: أقبله فإن فيه عتقي. فقال: نعم ولكن فيه رقي)(سفينة البحار ج1 ص483).
(وكان ديوجانس الكلبي من أساطين حكماء اليونان، وكان متقشفا، زاهدا، لا يقتني شيئا، ولا يأوي إلى منزل، دعاه الإسكندر إلى مجلسه. فقال للرسول قل له: إن الذي منعك من المسير إلينا، هو الذي منعنا من المسير إليك، منعك استغناؤك عنا بسلطانك، ومنعني استغنائي عنك بقناعتي)(1سفينة البحار ج2 ص451).
وكتب المنصور العباسي إلى أبي عبد الله الصادق(عليه السلام): لِمَ لا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فأجابه: ليس لنا من الدنيا ما نخافك علية، ولا عندك من الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنيك بها، ولا في نقمة فنعزيك بها. فكتب المنصور: تصحبنا لتنصحنا.فقال أبو عبد الله(عليه السلام): (من يطلب الدنيا لا ينصحك، ومن يطلب الآخرة لا يصحبك)(كشكول البهائي).
وما أحلى قول أبي فراس الحمداني في القناعة:
إن الغني هو الغني بنفسه ولو أنه عار الناكب حاف *** ما كل ما فوق البسيطة كافيا فإذا قنعت فكل شيء كاف
الحرص: هو الإفراط في حب المال، والاستكثار منه، دون أن يكتفي بقدر محدود. وهو من الصفات الذميمة، والخصال السيئة، الباعثة على ألوان المساوئ والآثام، وحسب الحريص ذما أنه كلما ازداد حرصا ازداد غباء وغما.
وإليك بعض ما ورد في ذمه:
قال الباقر(عليه السلام): (مثل الحريص على الدنيا، مثل دودة القز كلما ازدادت من القز على نفسها لفا، كان أبعد لها من الخروج، حتى تموت)(الوافي ج3 ص 152 عن الكافي).
لذلك قال الشاعر:
يفني البخيل بجمع المال مدته وللحوادث والأيام ما يدع
كدودة القز ما تبنيه يهدمها وغيرها بالذي تبنيه ينتفع
وقال الصادق(عليه السلام): (إن فيما نزل به الوحي من السماء: لو أن لابن آدم واديين، يسلان ذهبا وفضة، لابتغى لهما ثالثا، يابن آدم إنما بطنك بحر من البحور، وواد من الأودية، لا يملأه شيء إلا التراب)(الوافي ج3 ص154 عن من لا يحضره الفقيه).
وقال(عليه السلام): (ما ذئبان ضاريان، في غنم قد فارقها رعاؤها أحدهما في أولها والآخر في أخرها، بأفسد فيها من حب المال(الدنيا خ ل) والشرف في دين المسلم) (مرآة العقول في شرح الكافي للمجلسي(ره) ج2 عن الكافي. ص303).
وقال أمير المؤمنين(عليه السلام)في ضمن وصيته لولده الحسن(عليه السلام): (واعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، وأنك في سبيل من كان قبلك، فخفض في الطلب، وأجمل في المكسب، فإنه رُب طلب، قد جر إلى حرب، فليس كل طالب بمرزوق، ولا كل مجمل بمحروم)(نهج البلاغة).
وقال الحسن بن علي(عليهما السلام):
(هلاك الناس في ثلاث: الكبر. والحرص. والحسد.
فالكبر هلاك الدين وبه لُعن إبليس. . .
والحرص عدو النفس، وبه أخرج آدم من الجنة.
والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل)(4 كشف الغمة).
وبديهي أنه متى استبد الحرص بالإنسان، استرقه، وسبب له العناء والشقاء، فلا يهم الحريص، ولا يشبع جشعه إلا استكثار الأموال واكتنازها، دون أن ينتهي إلى حد محدود، فكلما أدرك مأربا طمح إلى آخر، وهكذا يلج به الحرص، تستعبده الأطماع، حتى يوافيه الموت فيغدو ضحية الغناء والخسران.
والحريص أشد الناس جهدا في المال، وأقلهم انتفاعا واستمتاعا به، يشقى بكسبه وادخاره، وسرعان ما يفارقه بالموت، فيهنأ به الوارث، من حيث شقي هو به، وحرم من لذته.
والحرص بعد هذا وذاك، كثيرا ما يزج بصاحبه في مزالق الشبهات والمحرمات والتورط في آثامها، ومشاكلها الأخروية، كما يعيق صاحبه عن أعمال الخير، وكسب المثوبات كصلة الأرحام وإعانة البؤساء والمعوزين، وفي ذلك ضرر بالغ، وحرمان جسيم .
وبعد أن عرفنا مساوئ الحرص يحسن بنا أن نعرض مجملا من وسائل علاجه ونصائحه وهي:
1 ـأن يتذكر الحريص مساوئ الحرص، وغوائله الدينية والدنيوية وأن الدنيا في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب.
2 ـأن يتأمل ما أسلفناه من فضائل القناعة، ومحسناتها، مستجليا سيرة العظماء الأفذاذ، من الأنبياء والأوصياء والأولياء، في زهدهم في الحياة، وقناعتهم باليسير منها.
3 ـترك النظر إلى من يفوقه ثراء ، وتمتعا بزخارف الحياة والنظر إلى من دونه فيها فذلك من دواعي القناعة وكبح جماح الحرص.
4 ـالاقتصاد المعاشي، فإنه من أهم العوامل، في تخفيف حدة الحرص، إذ الإسراف في الإنفاق يستلزم وفرة المال، والإفراط في كسبه والحرص عليه.
قال الصادق(عليه السلام): (ضمنت لمن أقتصد أن لا يفتقر)(البحار مج15 ج2 ص199 عن الخصال).
 ******************************************************

القناعة
تعريف القناعة: القناعة الرضا بالقسم ( أي النصيب و الحظ ) . قاله ابن السني في كتابه القناعة .
في كتاب موسوعة نضرة النعيم:( قال الراغب : القناعة الاجتزاء باليسير من الأغراض المحتاج إليها . قال الجاحظ : القناعة هي : الاقتصار على ما سنح من العيش و الرضا بما تسهل من المعاش و ترك الحرص على اكتساب الأموال و طلب المراتب العالية مع الرغبة في جميع ذلك و إيثاره و الميل إليه و قهر النفس على ذلك و التقنع باليسير منه . قال المناوي : القناعة عرفاً : الاقتصار على الكفاف ، و قيل الاكتفاء بالبُلغة ، وقيل سكون الجأش عند وعدم امألوفات ، و قيل الوقوف عند الكفاية ) 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
مراتب القناعة ( للماوردي):
المرتبة الأعلى : أن يقتنع بالبُلغة من دنياه و يصرف نفسه عن التعرض لما سواه .
المرتبة الأوسط : أن تنتهي به القناعة إلى الكفاية و يحذف الفضول و الزيادة .
المرتبة الأدنى : أن تنتهي به القناعة إلى الوقوف على ما سنح ، فلا يكره ما أتاه و إن كان
كثيراً ، و لا يطلب ما تعذر و إن كان يسيراً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
آثار القناعة :
1 - امتلاء القلب بالإيمان بالله سبحانه و تعالى و الثقة به و الرضابما قدر و قسم
2 - الحياة الطيبة
3 - تحقيق شكرالمنعم سبحانه و تعالى
4 - الفلاح و البشرى لمن قنع
5 - الوقاية من الذنوبالتي تفتك بالقلب و تذهب الحسنات كالحسد و الغيبةو النميمةو الكذب
6 - حقيقة الغنى في القناعة
7 -العزفي القناعة و الذل في الطمع
8 - القانع تعزف نفسه عن حطام الدنيا رغبةً فيما عند الله .
9 - القنوع يحبه الله و يحبه الناس
10 - القناعة تشيع الألفة و المحبة بين الناس .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الأسباب المؤدية للقناعة :
1 - الاستعانة بالله و التوكلعليه و التسليم لقضائه و قدره.
2 - قدر الدنيا بقدرها و إنزالها منزلتها .
3 - جعل الهمّ للآخرة و التنافس فيها .
4 - النظر في حال الصالحين و زهدهم و كفافهم و إعراضهم عن الدنيا و ملذاتها .
5 - تأمل أحوال من هم دونك .
6 - مجاهدة النفس على القناعة و الكفاف .
7 - معرفة نعم الله تعالى و التفكر فيها .
8 - أن يعلم أن لبعض النعيم ترة و مفسدة .
9 - أن يعلم أن في القناعة راحة النفس و سلامة الصدر و اطمئنان القلب.
الأسباب باختصار من كتاب كنز القناعة للشيخ د. محمد الركبان - دار القاسم بالرياض
 الطبعة الأولى 1422 هـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و كذلك من الأسباب المؤدية للقناعة :
1 - تقوية الإيمان بالله تعالى ، و ترويض القلب على القناعة و الغنى .
2 - اليقين بأن الرزق مكتوب و الإنسان في رحم أمه .
3 - تدبر آيات القرآن العظيم لا سيما ما تتحدث عن الرزق و الاكتساب .
4 - معرفة حكمة الله تعالى في تفاوت الأرزاق و المراتب بين العباد .
5 - العلم بأن الرزق لا يخضع لمقاييس البشر من قوة الذكاء و كثرة الحركة و سعة المعارف .
6 - العلم بأن عاقبة الغنى شر و وبال على صاحبه إذا لم يكن الاكتساب و الصرف منه بالطرق المشروعة .
7 - النظر في التفاوت البسيط بين الغني و الفقير على وجه التحقيق .
الأسباب باختصار من كتاب القناعة مفهومها . منافعها . الطريق إليها للشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل-
 دار ابن خزيمة بالرياض - الطبعة الأولى 1422 هـ
 ***************************************************************************
القناعة والشكر

 سورة سبأ
»لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ء فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم بدلناهم بجنتّيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ء ذلك جزينهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور ء وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً ظاهرة وقدرّنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين ء فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إنّ في ذلك لآيات لكل صبار شكور ء ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين ء«(1).

شرح المفردات
آية: علامة.
سيل العرم: سيل المطر الشديد.
أكل خمط: ثمر حامض أو مر.
أثل: ضرب من النبات.
سدر: نوع من النبات لا ينتفع به.
فجعلناهم أحاديث: أخبار يتلهى بها ويتعجب منها.
جنتان: بستانان.
قدرنا فيها السير: جعلناه على مراحل متقاربة.
مزقناهم: فرّقناهم في البلاد.

الشرح:
كلما عظمت نعمة على عبد، عظم حق المنعم عليه بالشكر، ولكن كثيراً من الناس يتلقون نعمة الله فلا يعرفونها ولا يعرفون قيمتها، بل لا يرون فيها إلا نقصاناً عن حقهم حتى ليكاد الواحد منهم يصل إلى حد جحود النعمة وإنكار وجودها وقيمتها لأنَّه قصر نظره على جوانب منها في ظاهرها سلبية وهي بحد ذاتها قيمة ايجابية.. والذي يستغرق في النظر إلى سيئات الأمور يعمى في النهاية. فأولى له أن يؤدي حق النعمة بشكر المنعم..
ويحدثنا الباري في هذه الآيات عن قوم سبأ، وهم قوم سكنوا في غابر الأزمان في بلاد الملكة بلقيس في ناحية من نواحي اليمن.
وكانت المملكة هذه تتميز بالجبال العالية والأودية السحيقة ذات تربة خصبة وغنية إلا أن المياه العذبة كانت تتوفر في بعض أيام السنة فتسقي أراضيهم ومواشيهم، ثم لا تلبث ان تنحدر من بين جبلين كبيرين سالكة المنحدرات باتجاه البحر جنوباً أو تغور في رمال الصحراء شمالاً ثم يحل موسم الجفاف وتنقطع المياه..
حياة بسيطة تستند إلى الزراعة والرعي إلاّ أن ما كان ينغصها قلة المياه وذهابها هدراً ما بين البحر والصخور.. مما جعل الحياة فيها صعبة وأدى ذلك إلى أن يعيش أهلها في عزلة وحصار ما بين البحر والصحراء.

مشروع فريد:
وفي خضم هذه المعاناة يأتي قضاء الله الرحيم فتنقدح في أذهان البعض فكرة رائدة.. لماذا لا يبنون سداً يحجز المياه عن تجاوز الجبلين ويؤمن لهم المياه على مدار أيام العام.. وهكذا شرعوا ببناء السد فأقاموا من الصخور والكلس وجعلوا في جوانبه منافذ للمياه يشرعونها عند الحاجة، فحفظوا بذلك الماء وجرّوه عبر القنوات إلى الأماكن البعيدة لري المزروعات.

التحول الكبير:
وبعد فترة من الزمن تبدلت الأرض القاحلة إلى أرض دائمة الخضرة وارفة الظلال، وامتدت الجنائن والبساتين غنية بالأشجار الفارعة والثمار والفواكه المختلفة من كل صنف ولون وطعم وفاقت مأرب حاضرة سبأ وقراها على ما جاورها من المدن والقرى جمالاً ونعماً وهواءً عليلاً.. فغدت منية الناظرين وقبلة الساعين إلى الحياة الهانئة.. وقامت في جوانبها الحدائق الغنّاء تسري فيها ألسنة المياه الجارية والغدران السارية.. بل قيل إن كثافة الأشجار الوارفة والملتفة كانت تحجب الشمس عن السائر فيها مسيرة عشرة أيام.. وكانت المرأة تحمل المكتل )الوعاء( على رأسها وتسير بين الأشجار في موسم القطاف فيمتلىء بالفواكه بغير أن تمس يدها شيئاً: وازدادت النعمة نعماً حيث إن سكانها لم يعرفوا في تلك الفترة معنى للأمراض كالحمى وغيرها بل إن البعوض والذباب والهوام لم يجد طريقه إلى تلك البلاد رغم كونها زراعية كثيفة الزرع موفورة المياه.
ونتيجة هذا كله أصبحت هذه البلاد مقصداً يرتادها الناس من كل الأرجاء للنزهة والسياحة ومطمعاً يرغب القاصي قبل الداني أن يجد له فيها مكاناً للسكن ونتيجة لذلك عمرت البلاد وتقاربت القرى وانتشر العمران فأمن المسافرون وسهلت الطرق.
»سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين«.
لقد حوّل الله تعالى قوم سبأ كل هذه النعم في فترة قصيرة وبجهد يسير وأمدهم بما لم يكونوا يتوقعون..

جزاء الإحسان:
ولكن ما الذي يريده الله من جزاء على كل هذه النعم.. »كلوا من رزق ربكم، واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور«.
طعام.. ماء.. جمال.. وأمن.. كل ذلك ثمنه فقط عرفان حق النعمة وأداء حق المنعم.
وهو ان يتذكروا أولاً ان النعمة من عند الله »من رزق ربكم«.
وإذا عرفوا ذلك ان يشكروه.. »واشكروا له«.
وأن يقدروا النعمة ويعرفوا قيمتها فلا يبخسوها حقها ولا يجحدوا حق المنعم فذكرهم بذلك بقوله: »بلدة طيبة..«.
ولكن هل لأنهم يستحقون ذلك؟ أو بسبب كثرة طاعتهم؟
لا بل لأن الله تجاوز عن سيئاتهم وغض عنها بل غفرها فقال: »بلدة طيبة ورب غفور«.

كيف قابل القوم هذه النعم:
ولكن القوم كفروا بنعمة الله.. وأصابهم الجشع والغرور وظنوا أن بهم استحقاقاً لأكثر من ذلك واغرقوا في حب الاستئثار بالخيرات حتى تمنوا لو أن بينهم وبين باقي البلاد مسافات شاسعة لكي لا يشاركهم في ما أنعم الله به عليهم أحد من الناس، »فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا«.
ونسوا أن هذا الأمر جعل السبل إلى بلادهم آمنة، فلم يروا هذه النعمة العظيمة وهي نعمة الأمن، ولم يروا نعمة كونهم مقصد الأقوام الآخرين، ولم يقدروا نعمة احتياج الآخرين إليهم وإلى بلادهم، وإنهم يغبطونَّهم على تلك الخيرات لقد أعماهم الطمع عن الالتفات إلى عظيم النعم الإلهية عليهم فأدى بهم إلى نكران النعمة بل إزدادوا عتواً وكفراناً.

عاقبة الكفور:
ولكن يد الرحمة الإلهية تأبى ان تأخذ الناس بظلمهم قبل ان تعمل اليهم بأيات الارشاد والهداية والتذكير.. فأرسل الله إليهم من رحمته ثلاثة عشر نبياً بعدد قراهم يحذرونهم وينذرونهم ويدعونهم إلى مقابلة نعمة الله بالشكر وبحسن التقدير ولكن هيهات أن يسمعوا.. وإذا سمعوا هيهات أن يعوا وإذا وعوا هيهات أن يتوبوا أو يرتدعوا، وتمت الحجة الإلهية وبلغ الناهي عذره..
وجاء العقاب الإلهي.. فكما جاءت هذه النعم شاملة قدّر تعالى ان تذهب شاملة.. فسلط على السد الجرذان فأخذت هذه الجرذان تنقب الصخور والحجارة من مكانها.. بدأت تباشير النهاية.. تفتت السد، ثم انهار وهجم السيل عارماً هادراً يجرف ما يواجهه من البيوت والأشجار وتشتت الجمع وعلا الصياح فراحوا يلوذون بالفرار وكلّ يبتغي في ذلك النجاة بنفسه.. ولم ينجل الموقف إلا وقد انهار الحلم وكما جاء السد بالخيرات كذلك تركهم إنهياره في العراء مشتتين، ديارهم خربة ما فيها إلا خراب.. ثم غدت تلك الأرض الغنّاء بوراً ذات شجر بري مرير الطعم كثير الشوك كالأثل الذي هو شجرة لا ثمر له أو هي ذات قيمة زهيدة كشجر السدر: »فأعرضوا فبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أُكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور«.
وبعد إن كانوا مقصد الطامحين لم يحتملوا الحياة في أرضهم فسعوا في الأرض وتشتت قبائلهم في كل اتجاه حتى صاروا مضرباً للمثل فقيل: »تفرقوا أيادي سبأ«.

عبر من القصة:
1-  إن حق النعمة ان يقدرها الانسان ويلتفت إلى قيمتها.
2 - القناعة أمر مهم يؤدي إلى معرفة قيمة النعمة وفضل المنعم.
3 - على الانسان ان يحيل بصره في كل الاتجاهات حتى لا يبخس النعمة حقها فيؤدي ذلك إلى جحود النعمة.. وإنكار فضل المنعم.
4-  من أكبر النعم حاجة الناس إلى أهل النعم.. وغنى أهل النعم عن الناس.
5-  النعمة لا يعطيها الباري لاستحقاق وجدارة فقط بل بألطافه بعباده ولأنَّه يتجاوز عن سيئاتها التي توجب حرمانها »ورب غفور«.
6 -  كلما عظمت النعمة عظم حق المنعم وهو الشكر.

حكمة للحفظ
قال تعالى: »ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد«.

    أسئلة حول الدرس
1-  ما كان يريد الباري من سبأ جزاء الإنعام عليهم؟ أذكر النص القرآني.
2-  لماذا قال قوم سبأ: »ربنا باعد بين أسفارنا«.
3-  هل إن الله منّ على قوم سبأ بهذه النعمة لأنَّهم أهل لها؟ وبماذا عبر تعالى؟
4-  ماذا يسمي الباري جاحد النعمة وتارك الشكر عليها؟
5-   قال تعالى: »فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق« فما هو المثل الذي اشتهر حول قوم سبأ؟

هوامش :
(1) سورة سبأ، من الآية/15 حتى 20.
*********************************************************************
القناعة


يحكى أن ثلاثة رجال ساروا في طريق فعثروا على كنز، واتفقوا على تقسيمه بينهم بالتساوي، وقبل أن يقوموا بذلك أحسوا بالجوع الشديد، فأرسلوا أحدهم إلى المدينة ليحضر لهم طعامًا، وتواصوا بالكتمان، حتى لا يطمع فيه غيرهم، وفي أثناء ذهاب الرجل لإحضار الطعام حدثته نفسه بالتخلص من صاحبيه، وينفرد هو بالكنز وحده، فاشترى سمًّا ووضعه في الطعام، وفي الوقت نفسه، اتفق صاحباه على قتله عند عودته؛ ليقتسما الكنز فيما بينهما فقط، ولما عاد الرجل بالطعام المسموم قتله صاحباه، ثم جلسا يأكلان الطعام؛ فماتا من أثر السم.. وهكذا تكون نهاية الطامعين وعاقبة الطمع.
*أُهْدِيَتْ إلى السيدة عائشة -رضي الله عنها- سلالا من عنب، فأخذت تتصدق بها على الفقراء والمساكين، وكانت جاريتها قد أخذت سلة من هذه السلال وأخفتها عنها، وفي المساء أحضرتها، فقالت لها السيدة عائشة -رضي الله عنها-: ما هذا؟ فأجابت الجارية: ادخرتُه لنأكله. فقالت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: أما يكفي عنقود أو عنقودان؟
*ذهب الصحابي الجليل حكيم بن حزام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أن يعطيه من الأموال، فأعطاه. ثم سأله مرة ثانية، فأعطاه. ثم سأله مرة ثالثة، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال له مُعلِّمًا: (يا حكيم، إن هذا المال خَضِرٌ حلو (أي أن الإنسان يميل إلى المال كما يميل إلى الفاكهة الحلوة اللذيذة)، فمن أخذه بسخاوة نفس (بغير سؤال ولا طمع) بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبَارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا (التي تعطي) خير من اليد السفلي (التي تأخذ). [متفق عليه].
فعاهد حكيم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يأخذ شيئًا من أحد أبدًا حتى يفارق الدنيا. فكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يطلبه ليعطيه نصيبه من المال، فيرفض أن يقبل منه شيئًا، وعندما تولى عمر -رضي الله عنه- الخلافة دعاه ليعطيه فرفض حكيم، فقال عمر: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء (الغنيمة)، فيأبى أن يقبله.
وهكذا ظلَّ حكيم قانعًا، لا يتطلع إلى المال بعد نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي تعلَّم منها ألا يسأل أحدًا شيئًا؛ حتى إنه كان يتنازل عن حقه، ويعيش من عمله وجهده.
*كان سلمان الفارسي -رضي الله عنه- واليا على إحدى المدن، وكان راتبه خمسة آلاف درهم يتصدق بها جميعًا، وكان يشتري خوصًا بدرهم، فيصنع به آنية فيبيعها بثلاثة دراهم؛ فيتصدق بدرهم، ويشتري طعامًا لأهله بدرهم، ودرهم يبقيه ليشتري به خوصًا جديدًا.
ما هي القناعة؟
القناعة هي الرضا بما قسم الله، ولو كان قليلا، وهي عدم التطلع إلى ما في أيدي الآخرين، وهي علامة على صدق الإيمان. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقَنَّعه الله بما آتاه) [مسلم].
قناعة الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان صلى الله عليه وسلم يرضى بما عنده، ولا يسأل أحدًا شيئًا، ولا يتطلع إلى ما عند غيره، فكان صلى الله عليه وسلم يعمل بالتجارة في مال السيدة
خديجة -رضي الله عنها- فيربح كثيرًا من غير أن يطمع في هذا المال، وكانت تُعْرَضُ عليه الأموال التي يغنمها المسلمون في المعارك، فلا يأخذ منها شيئًا، بل كان يوزعها على أصحابه.
وكان صلى الله عليه وسلم ينام على الحصير، فرآه الصحابة وقد أثر الحصير في جنبه، فأرادوا أن يعدوا له فراشًا لينًا يجلس عليه؛ فقال لهم: (ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها).
[الترمذي وابن ماجه].
لا قناعة في فعل الخير:
المسلم يقنع بما قسم الله له فيما يتعلق بالدنيا، أما في عمل الخير والأعمال الصالحة فإنه يحرص دائمًا على المزيد من الخيرات، مصداقًا لقوله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} [البقرة: 197]. وقوله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين} [آل عمران: 133].
فضل القناعة:
الإنسان القانع يحبه الله ويحبه الناس، والقناعة تحقق للإنسان خيرًا عظيمًا في الدنيا والآخرة، ومن فضائل القناعة:
القناعة سبب البركة: فهي كنز لا ينفد، وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنها أفضل الغنى، فقال: (ليس الغِنَى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس) [متفق عليه].
وقال الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا) [الترمذي وابن ماجه]. فالمسلم عندما يشعر بالقناعة والرضا بما قسمه الله له يكون غنيا عن الناس، عزيزًا بينهم، لا يذل لأحد منهم.
أما طمع المرء، ورغبته في الزيادة يجعله ذليلاً إلى الناس، فاقدًا لعزته، قال الله صلى الله عليه وسلم: (وارْضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)
[الترمذي وأحمد].
والإنسان الطماع لا يشبع أبدًا، ويلح في سؤال الناس، ولا يشعر ببركة في الرزق، قال الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُلْحِفُوا (تلحوا) في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئًا فتُخْرِجُ له مسألتُه مِنِّي شيئًا، وأنا له كاره، فيبارَكُ له فيما أعطيتُه) [مسلم والنسائي وأحمد].
وقال الله صلى الله عليه وسلم: (اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعففْ يعِفَّهُ الله، ومن يستغنِ يغْنِهِ الله) [متفق عليه].
القناعة طريق الجنة: بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسلم القانع الذي لا يسأل الناس ثوابُه الجنة، فقال: (من يكفل لي أن لا يسأل الناس شيئًا وأتكفل له بالجنة؟)، فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدًا شيئًا. [أبو داود والترمذي وأحمد].
القناعة عزة للنفس: القناعة تجعل صاحبها حرًّا؛ فلا يتسلط عليه الآخرون، أما الطمع فيجعل صاحبه عبدًا للآخرين. وقد قال الإمام علي-رضي الله عنه-: الطمع رق مؤبد (عبودية دائمة).
وقال أحد الحكماء: من أراد أن يعيش حرًّا أيام حياته؛ فلا يسكن قلبَه الطمعُ. وقيل: عز من قنع، وذل من طمع. وقيل: العبيد ثلاثة: عبد رِقّ، وعبد شهوة، وعبد طمع.
القناعة سبيل للراحة النفسية: المسلم القانع يعيش في راحة وأمن واطمئنان دائم، أما الطماع فإنه يعيش مهمومًا، ولا يستقر على حال. وفي الحديث القدسي: (يابن آدم تفرغْ لعبادتي أملأ صدرك غِنًى، وأَسُدَّ فقرك. وإن لم تفعل، ملأتُ صدرك شُغْلا، ولم أسُدَّ فقرك) [ابن ماجه].
وقال أحد الحكماء: سرور الدنيا أن تقنع بما رُزِقْتَ، وغمها أن تغتم لما لم ترزق، وصدق القائل:
هـي القنـاعة لا تـرضى بهــا بـدلا
فيهــا النعيـم وفيهــا راحـة البـدنِ
انظـر لمـن ملــك الدنيـا بأجمـعـها
هـل راح منها بغيــر القطـن والكفـنِ

المادة منقولة من موقع اسلاميات

 *********************************************************************

 هل القناعة فعلاً كنز ؟

يقال بأن القناعة كنز لا يفنى، وكثيراً ما يستخدم هذا المثل، ولكن ،، ماذا عن الطموح؟ وهل تتعارض القناعة مع الطموح؟ هل القناعة ايجابية فعلاً؟ وما هو ضد القناعة؟ اهو الطمع أم الطموح؟ وهل هي ضعف أم قوة؟ هل هي مسكن للفاشلين؟ أم مقنع للكسولين؟ أم محفز للمجتهدين؟

لو فرضنا أن شخصاً لديه وظيفة جيدة وراتب جيد يكفي حاجاته وأسرته، وقد اكتفى بذلك الرزق ولم يبحث عن غيره، أما أخوه الذي يعمل في نفس الوظيفة ويحصل على نفس الدخل ويعول أسرته مماثلة بظروف مماثلة فقد جهد في طلب المزيد من الرزق والبحث عن فرص جديدة يزيد بها دخله ويغير وضعه، فقال الأول للثاني: لا تتعب نفسك ولا ترهق صحتك واقنع بما لديك فالقناعة كنز لا يفنى، فرد الثاني ولكني لا أقنع بما دون النجوم!

هل توافق أحدهما؟ أم لك رأي ثالث؟

في نظري أن مقولة القناعة كنز لا يفنى لا تستحق كل هذه الشهرة، فقد كان لها تأثير سلبي كبير رغم أن معناها الحقيقي ايجابي، فكم استغلت لتبرر الكسل والخمول، وكم استغلت لتقتل الطموح والنشاط، وكم استغلت لتحبط الهمم وتجهض الأفكار، وهي في حقيقتها تختلف تماماً عما يفهمها الآخرون.

القناعة في وجهة نظري هي الرضا، وهو عكس السخط، وليس لها أي علاقة بما تنوي فعله أو ما تطمح إليه، فهي شعور نفسي، وهو الشعور بالرضا يما يأتيك من عند الله وعدم السخط والاعتراض، وهي لا تتناقض إطلاقا مع العمل والطموح والاجتهاد.

فينبغي على الإنسان أن يستفيد من هذه المقولة في الرضا النفسي فقط، وأن لا يجعلها تحبط من همته وطموحه وخططه المستقبلية، ولكن عندما يأتيه أقل مما يطمح إليه فإنه مع قناعته ورضاه بما يأتيه يعمل جاهداً من أجل الحصول على الأفضل.

إذا غامرتَ في شرفٍ مَرُومِ * * * فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ
**********************************************************

مع تحيات ياسمين الشام
http://www.facebook.com/profile.php?id=1076096917

هناك تعليقان (2):

  1. Roulette for Real Money ᐈ Casinos with the Best Casino
    Looking 메종바카라 for roulette for money? Find the best 바카라사이트추천 roulette bet365 우회 주소 casinos where 벳 365 우회 you can play casino games for real money. Get 아프리카 영정 1 exclusive bonus

    ردحذف
  2. Las Vegas Casinos and Gaming | DrmCD
    › casinos-and-gaming 여주 출장샵 › casinos-and-gaming Oct 6, 청주 출장마사지 2021 — 문경 출장마사지 Oct 6, 2021 Las Vegas Casinos 강릉 출장샵 and Gaming 전라북도 출장안마 at Dr.MCD.

    ردحذف